أوقفني قوله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) هل يعني هذا أنه إذا انتهت السماء والأرض سيخرج الكفار من النار وسيخرج المؤمنون من الجنة لأن الله يقول مادامت السماوات والأرض ولاشك أنه في يوم القيامة ستنتهي السماوات والأرض ألم يقل الله ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار) فهل معناه سيبقون إلى أنتنتهي السموات والأرض ثم يخرجون أم ماذا؟
الجواب / لا. لأن العرب قد تعلق الأمر بزائل والمراد التأبيد :
قال ابن جرير : " يعني بقوله : ( خَالِدِينَ فِيهَا ) لابثين فيها ، ويعني بقوله : ( مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ) أبدا . وذلك أن العرب إذا أرادت أن تصف شيء بالدوام أبدا قالت : ( هذا دائم دوام السموات والأرض )
ومثله قول امرؤ القيس:
أجارتنا إن الخطوب تنوب ...واني مقيم ما أقام عسيب
وعسيب هو جبل وليس المعنى أنه سيبقى على أن ينتهي الجبل فالجبل قد يزول في أي وقت بصاعقة أو بنقشه أو بغير ذلك هو زائل ولكن المقصود البقاء إلى الأبد فهو علق بزائل وهو يريد التأبيد ومثله قول الشاعر:
وهو رجل ركب البحر وانكسرت به سفينته، فسبح إلى جزيرة في وسط البحر ومكث ثلاثة أيام لم يذق طعاماً ولا شراباً، ويئس من الحياة فقام ينشد:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي *** وصار القار كاللبن الحليب
لا يمكن أن يكون القار( الزفد ) كاللبن، ولا يمكن أن يشيب الغراب، وحتى لو ِشاب الغراب وصار القار كالحليب هل يعني هذا أنه سيرجع إلى أهله ومعنى ذلك أنه يئس وأيقن بالموت وإنما العرب تعلق بزائل والمراد بذلك التأبيد.