الحديث عن الهجرة والاغتراب حديث ذو شجون وهو بالنسبة لنا نحن اليمنيون حديث مؤلم وقاسي,لان تجربة الانسان اليمني مع الهجرة تمثل بعد انساني عميق, وتجربة اليمني مع الغربة تحمل دلالات انسانية عظيمة ومغزى عاطفي حزين, وهي تحمل في طياتها تجربة انسانية فريدة, وتحمل في مدلولها قصص التضحية والبذل والعطاء بحثا عن اسباب الرزق وفرص افضل للحياة, ومن ثم فأن الارتباط بين الغربة والانسان اليمني هو ارتباط قوي, نتج عنه بعد انساني تمثل في قصة حياة المغترب الذي تفاعل معها واندمج في ماهيتها,ليشكلان في النهاية مشهد انساني تظهر فيه العاطفة الانسانية يتجلى من بين ثناياها كل معاني الغربة والامها واحزانها.ولذا لاغرابة اذا وجدنا قرائح الشعراء والادباء تصور هذا البعد الانساني في ظاهرة الهجرة.
ولعل اهزوجة البالة وهي لون من الوان الفن اليمني الراقي والجميل, وهي مثل الدان الحضرمي او ياليل عند الاخوة في الشام الحبيب,البالة التي ابدع في كلماتها الشاعر مطهر الارياني وغناها الفنان عبد الله السمة تشرح معاناة مغترب في زمن الامامة لكن معانيها واسرارها تمثل الالم والهيام بحب الوطن والحنين الى مسقط الراس.وبالتالي فأن التجربة الشعرية الموجودة في هذه الاهزوجة تمثل بعدا انسانيا يتجاوز زمن الامامة الى كل زمان, لان الالم والمعاناة الانسانية يتجاوزان حدود الزمان والمكان وهي كلا لايتجزء. والبالة واحدة من روائع الفن اليمني وهي قريبة من قلوب اليمنيين لانها تعبر عن مشاعرهم بصورة صادقة,كم ان كلمات البالة مستوحاة من اللهجة اليمنية.يقول الارياني في رائعتة الشهيرة
الباله والليله الباله
الباله واليله البال بال النسمه الساريه
الباله هبت من الشرق فيها نسمة الكاذيه
فيها شذى البن فيها النسمه الحاليه
عن ذكريات الصبا في ارضنا الغاليه
الباله واليله العيد وانا من بلادي بعيد
مافي فؤادي لطوفان الحزن من مزيد
الباله قلبي بوادي بنا وابين ووادي زبيد
الباله هايم وجسمي هنا في الغربه القاسيه
الباله خرجت انا من بلادي في زمان الفنا
الباله ايام ماقالوا موسم الطاعون قالوا جنا
الباله وماتو اهلي ومن حظ النكد عشت انا
الباله عشت ازرع الارض احصد روحي الثاويه
ذكرت اخي كان تاجر اين ماجا فرش
جو عسكر الجن شلوا ما معه من بقش
بكر غبش اين رايح قال ارض الحبش
وسار واليوم قالوا حالته ناهيه
بكرت مثله مسافر والظفر في البكر
وكان زادي مع اللقمه ريالين حجر
وابحرت في ساعيه تحمل جلود البقر
والبن للتاجر المحظوظ والطاغيه
شكيت لاخواني البلوه وطول التعب
فقالوا البحر فقلت البحر واساعيه
باله والليله الباله
بحثت عن شغل في الدكا ومينا عصب
وفي الطرق والمداوي وما وجدت الطلب
شكيت لاخواني البلوه وطول التعب
فقالوا البحر فقلت البحر واساعيه
وعشت في البحر عام وخمسة عشر سنه
في مركب اجريك احمر حازق الكبتنه
وسود الفحم جلدي مثلما المدخنه
وطفت كم يا بلود ارضها قاصيه
من كان مثلي غريب الدار ماله مقال
فما عليه ان بكى وابكى الحجر والشجر
ابكي لك ابكي وصب الدمع مثل المطر
ومن دم القلب خلي دمعتك جاريه
الباله واليله الباله
الباله غنيت في غربتي يالله لا غبت انا
ومزق الشوق روحي في لهيب الضنا
الباله راجع انا يا بلادي يا ديار الهنا
الباله يا جنتي يا ملاذي يا امي الغاليه
والحقيقة ان قصة هذا المغترب عاشها الرعيل الاول من المهاجرين الى امريكا وان كانت تختلاف في بعض التفاصيل بسبب طبعية ارض المهجر الا ان الغربة بكل ما تحمل من الم وحنين الى الوطن الام تظل واحده ولو اختلف المكان.
ان تجربة الانسان اليمني وغربته في امريكا تحمل في طياتها قصة كفاح تحملها الرعيل الاول من المهاجرين خاصة مع ظروف معقدة بأعتبار اختلاف بيئة ارض المهجر عن الوطن الام والاختلاف الكبير في المعتقد واللغة وفلسفة الحياة بشكل عام وبالرغم من الامكانيات التعليمية البسيطة التي جاء بها المغتربون اليمنيون, الا انهم رسموا قصة نجاح بالنظر الى الظروف المحيطة بهم وبالجد والعمل استطاع المغترب ان يوفر حياة كريمة له ولاسرته في اليمن, كم ساهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني وتحملوا في سبيل ذالك الكثير من المعاناة والتضحية التي يعرفها المغتربون جيدا ويعيشون تفاصيلها بشكل يومي.لكن وبرغم هذا كله فأن واقع الهجرة اليوم بشكل عام مختلف,الاهداف تغيرت والوقائع الجديدة تفرض فلسفة مختلفة عن السابق, ان الرعيل الاول من المهاجرين يتحملون اليوم مسؤلية كبيرة في ان يجعلوا من قصة غربتهم المريرة نجاح يرونه في ابناءهم وفي هذه النقطة بالذات,لي وقفة مع الاباء لكنها وقفه صادقة وعندي نقد ولكنه بناء ولدي عتاب ولكنه عتاب المحب, هذه المفردات وغيرها هي عنوان مقالنا القادم تحت عنوان ولكن